مثلث برمودا بين الحقيقة والخيال

حكايات الإختفاء لا تتوقف


"نحن لا نعرف كوكبنا جيداً، حتى إننا نعلم أشياء عن المريخ تفوق ما نعرفه عن كوكبنا.. هناك سر غامض في الأعماق البعيدة عن ضوء الشمس، شيء لا يمكن تفسيره ويحدث في الأعماق، الله وحده يعلم سر هذا الشيء"...

"ريتشارد واينر" أحد أشهر المدققين في حوادث مثلث برمودا

على امتداد مليون ونصف المليون ميل مربع من المياه يكمن أحد أشهر ألغاز الطبيعة على الإطلاق، وهو مثلث جغرافي يقع بين شواطئ فلوريدا وجزر برمودا وجزيرة سان جوان في بورتو ريكو، تلك المنطقة المحرمة التي اختفى فيها أكثر من ثلاثة آلاف سفينة ومئات الطائرات وآلاف البشر دون أدنى أثر، إنه مثلث الرعب أو بحر الشيطان أو مقبرة الأطلنطي، إنه "مثلث برمودا"..


البعض يحكي عن تغير لون السماء والمياه

خرج ولم يعد..

في ديسمبر 1945 غادرت خمس طائرات على شكل مثلث من محطة "فورت لادرديل" الجوية، وعلى متنها أربعة عشر فردا للقيام برحلة تدريبية روتينية.. وعلى الرغم من أن الملازم "شارلز تايلر" قائد السرب كان يتبع المسار الصحيح في اتجاهه نحو المحطة الجوية، إلا أن الساعات قد انقضت دون أن يرى اليابسة، حاول تحديد مكانه وأجرى اتصالات عديدة بالمحطة، إلا أن تحديد مكان السرب صار مستحيلاً، وفي النهاية اختفى السرب تماماً بالنسبة لـ "تايلر"..


برمودا منطقة الاختفاء الغامض

وفي نفس اليوم خرجت عشرات الطائرات والسفن للبحث عن طائرة قائد السرب المفقودة، ولكن لم يجد أي باحث أدنى أثر للطائرة أو للحطام أو أحد الناجين، لقد التهمت المنطقة المحرمة طائراً آخر خرج عن السرب، وكانت هذه الحادثة هي البداية المعاصرة لحوادث اختفاء غريبة لسفن وطائرات عملاقة في ظروف غير اعتيادية.


سفينة طولها 141 متر تختفي في برمودا

كما لم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة في سجلات التاريخ، بل سبقها منذ أزمنة طويلة العديد من حالات الاختفاء الغامضة، بل إن الرحالة الشهير "كريستوفر كولومبس" قد تحدث عن رحلته في المثلث واختفاء إحدى سفنه بنفس الطريقة الغامضة، كما أشيعت حكايات خرافية من قبل القراصنة والبحارة القدامى أن البحر يفتح فمه ويبتلع السفن كأنه يأكلها بشراهة..


صورة للقمر الصناعي لمنطقة برمودا

ولكن ما جعل شهرة هذا المثلث تحظى بهذا الصخب العالمي هي الاتصالات اللاسلكية التي تمت بين الطائرات أو السفن المختفية وبين القواعد الراسية في فلوريدا، فالرسائل تتكلم عن خلل في أجهزة البوصلة والرادار والملاحة، وعن سماء تغير لونها ومياه بيضاء ورياح غريبة تدفعهم نحو أغوار المحيط الأطلنطي على الرغم من استحالة وجودها، الشيء الأكثر غرابة في حوادث الاختفاء الحديثة أن بعض طائرات الإنقاذ التي خرجت مسرعة للبحث عن الناجين من الحادث، اختفت بدورها، وكأن هذا المثلث أشبه بوحش غاضب يلتهم كل من يقترب من عرينه، ولكن لا تعتقد أن كل من يمر خلال مثلث الرعب هذا يصيبه الاختفاء بالتأكيد، فهناك مئات من خطوط الطيران العالمية المتجهة من أوروبا إلى الأمريكتين تمر من هذا المثلث دون أدنى مشاكل، فالمعدل المعروف لغرق أو اختفاء السفن في تلك المنطقة يعادل خمس حالات سنوياً، وهو يقارب المعدل العادي لأي منطقة في العالم، وهذا ما دفع العالم "جون روبنسون" كبير علماء الإدارة الأمريكية للمحيطات لأن يقول: "إن مثلث برمودا وهْمٌ كبير من صناع سينما هوليوود الذين استغلوا عاطفة الإنسان وحبه للإثارة والمجهول واستطاعوا بيع الأفلام والكتب بأرباح خيالية".

حول الوحش الغاضب

التفسير الأول الذي وجد قبولاً لدى العلماء هو وجود جيوب غازية تحت سطح المحيط تنفجر مكونة فقاقيع ضخمة تلتهم السفن والطائرات، فالفقاقيع تخفض نسبة كثافة الماء مما يدفع السفن إلى الأسفل، ولكن الاتصالات التي تمَّت قبيل اختفاء السفن، بين السفن والقواعد لا تدلّ على أي من ذلك، فمعظم حالات الاختفاء تمّت بعد ما يشبه "التوهان" بعدما فقدت السفن والطائرات القدرة على معرفة الاتجاهات وطريق اليابسة، كما أن السؤال هو كيف يمكن لفقاقيع الغاز في المحيط أن تغرق طائرة تطير على ارتفاع آلاف الأقدام!


الاختطاف الفضائي أحد حلول لغز المنطقة

هناك من يقول إن تيارات مغناطيسية عنيفة تسحب الطائرات التي تحلِّق في السماء، وتكوّن دوامات مائية عملاقة تغرق السفن المارة من المثلث، ويقول الأمريكي "ولبرت سميث" إنه توجد منطقة تتلاشى فيها قوة الجاذبية الأرضية، مما يؤدي إلى اضطراب البوصلة وأجهزة الطيران، والبعض أرجع كل هذا إلى قارة أطلنطس القديمة التي ادَّعى البعض أنها كانت تستخدم الكريستال لتخزين الطاقة الشمسية، وأن مكانها كان مثلث الرعب، وأن بقايا الكريستال ما زال مشتعلاً بالطاقة، مما يجعل الأجهزة الإلكترونية غير قادرة على أداء وظيفتها، وهناك من يقول إن عرش إبليس يكمن في ذلك المثلث.. ولكن كل هذه التفسيرات ينقصها المنطق، أما أغرب التفسيرات الدرامية فهي إشاعة أفشاها برنامج تليفزيوني في السبعينيات تقول إن العبارة الأخيرة لـ"تشارلز تايلور" عام 1945 كانت: "إنهم من الفضاء الخارجي.. لا تتبعونا".. وبالفعل عندما حاولت الطائرة "مارتن ماريز" أن تتبع السرب اختفت بدورها!..


مثلث برمودا

وتضاربت أقوال الناجين من عمليات الاختفاء بين السفر عبر الزمن، أو السفر عبر المكان، وهناك من ادّعى السفر إلى أكوان أخرى سماؤها خضراء ومياهها بيضاء، حيث يفقد البحارة صوابهم ويختلط الأفق بمياه المحيط.. والجدير بالذكر أن هناك مثلثا آخر يُدعى مثلث فرموذا يقع بالقرب من اليابان، ولكنه أقل شهرة وأقل وطأة، ويبقى مثلث برمودا كأحد أشهر ألغاز الطبيعة على مر العصور.