تختلف رؤية الأفراد والجماعات لحدث أو صورة أو لفتة بحسب نشأتهم وثقافتهم والبيئة التي يعيشون فيها.
فيمكن لكتاب ما أن يحقق أعلى مبيعات في الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه يلقى فشلا ذريعا عند الفرنسيين وقد يحصل فيلم ما على أربع جوائز أوسكار وينال إعجاب نصف سكان الأرض ولكنه يصبح عقابا للجماهير في دور العرض القاهرية.
الأمر نفسه ينطبق على النكتة التي يختلف استقبالها والتفاعل معها ما بين شخص وآخر وجنسية وأخرى.
مشاركة عماد متعب في مباراة الأهلي والزمالك وما تسببت فيه من تعطيل انتقاله إلى بريستول سيتي تشبه نكتة ... ضحك عليها المصريون وتلقاها الإنجليز ببرود واستهجان.
وأي نكتة تتكون من بضعة عناصر: رسالة أو هدف من إطلاقها، مسحة من السخرية، وبالطبع إسعاد الناس. واحتوى قرار مشاركة متعب في القمة الإفريقية على كل العناصر.
الرسالة كانت من متعب إلى الأهلي وهي ببساطة إعلان عن انتماء وحب للنادي الذي حقق بين صفوفه كل إنجازاته، ورسالة من الأهلي إلى جماهيره مفادها أن النادي لا يعطل مستقبل أحد وأن من يحترم منظومة العمل في القلعة الحمراء يخرج منها محمولا على الأعناق.
لمحة السخرية كانت بالطبع من نصيب محمد عبد المنصف حارس الزمالك الذي عادة ما يرتبط خوضه أي مباراة في وجود متعب بتسجيل الأخير للأهداف وإن غاب عنه الحظ لفترات طويلة .. حتى أن أحد لاعبي المنتخب داعب متعب أثناء كأس الأمم الإفريقية الأخيرة قائلا إن السبيل الوحيد كي يسجل هدفا هو لعب "أوسة" مع أحد الفرق المنافسة!
وأخيرا سعادة الجماهير ستكون في أقصى درجاتها في رؤية مهاجمهم المفضل في لقاء قمة انتهى لصالحهم ويا حبذا إذا كان سجل فيه هدفا.
نكتة ممتازة بلا شك ولكن لعنة الله على الإنجليز الذين لا يتمتعون بخفة دم الشعب المصري ولا يستطيعون إطلاق النكات أو حتى الضحك عليها!
نكتة ممتازة بلا شك ولكن لعنة الله على الإنجليز الذين لا يتمتعون بخفة دم الشعب المصري ولا يستطيعون إطلاق النكات أو حتى الضحك عليها!
فجاري جونسون المدير الفني لبريستول سيتي لم يفهم من الأساس سبب رغبة متعب في المشاركة في المباراة، وعندما قيل له إن السبب هو توديع جماهير الأهلي قال الرجل إن متعب "يمكنه توديعهم خارج الملعب أو الترحيب في مباريات المنتخب المصري .. ولكنه لن يلعب أي مباراة جديدة مع الأهلي".
كان الكلام واضحا وصريحا. الرجل طلب من متعب عدم خوض أي مباراة مع الأهلي كي يتمكن من الحصول على بطاقة اللاعب وبدء اجراءات استخراج تصريح العمل له.
هذا الكلام قيل أثناء وجود اللاعب في إنجلترا وبعد التصوير حاملا قميص النادي وإجراء حوار مع موقع بريستول سيتي قال فيه إنه "يعلم كل شيء عن النادي وجماهيره".
ويبدو أن درجة عناد مدرب النادي لم تكن ضمن الأشياء التي يعرفها متعب. فقد ظن أن النكتة المصرية ستثير ضحك جونسون وستنتهي بعتاب خفيف بين المدير الفني ومهاجمه الجديد قبل انطلاق الموسم .. ولم يتخيل أبدا أنها ستكلفه حلم حياته الذي ظل يحاول الوصول إليه كثيرا وهو اللعب في أوروبا.
النتيجة الآن هي خسارة متعب فرصة اللعب في دوري منظم وقوي (نعم أكثر تنظيما وقوة من الدوري الممتاز المصري!) .. خسارة فرصة اللعب في كأس إنجلترا الذي ربما وضع فريقه أمام أحد فرق إنجلترا الكبرى .. خسارة دخول التاريخ كأغلى صفقة في تاريخ ناد كاد أن يتأهل إلى الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الصيف قبل خسارة مقعده في آخر مباراة في الموسم!
إنها خسائر كثيرة لنكتة واحدة تحولت الضحكات عليها إلى إحساس بالحسرة.
السبت 26 يوليو 2008 - 12:10
